كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعلى هذا أيضاص فقال، فقد وقع في بعض طرق أبي يعلى الموصلي، من طريق الثوري عن زبيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الثقة عن عمر فذكره، وعند ابن ماجه من طريق يزيد بن زياد بن أبي الجعد عن زبيد عن عبد الرحمن عن كعب بن عجرة عن عمر، فالله أعلم.
وقد روى مسلم في صحيحه، وأبو داود والنسائي، وابن ماجه من حديث أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري زاد مسلم والنسائي: وأيوب بن عائذ، كلاهما عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن عبد الله بن عباس قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم في الحضر اربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة.
فكما يصلي في الحضر قبلها وبعدها فكذلك يصلى في السفر.
ورواه ابن ماجه من حديث اسامة بن زيد عن طاوس نفسه، فهذا ثابت عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولا ينافي ما تقدم عن عائشة رضي الله عنها لأنها أخبرت أن اصل الصلاة ركعتان، ولكن زيد في صلاة الحضر فلما استقر ذلك صح أن يقال: إن فرض صلاة الحضر اربع، كما قاله ابن عباس والله أعلم.
ولكن اتفق حديث ابن عباس وعائشة على ان صلاة السفر ركعتان وأنها تامة غير مقصورة كما هو مصرح به في حديث عمر- رضي الله عنه واعلم أن حديث عائشة المذكور تكلم فيه من ثمان جهات:
الأولى: أنه معارض بالإجماع.
قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي في كتابه المسمى بالقبس. قال علماؤناك هذا الحديث مردود بالإجماع.
الثانية: أنها هي خالفته، والراوي من أعلم الناس بما روى فهي رضى الله عنها كانت تتم في السفر، قالوا ومخالفتها لروايتها توهن الحديث.
الثالثة: إجماع فقهاء الأمصار على أنه ليس بأصل يعتبر في صلاة المسافر خلف المقيم.
الرابعة: أن غيرها من الصحابة خالفها كعمر وابن عباس وجبير بن مطعم فقالوا: «إن الصلاة فرضت في الحضر اربعًا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة» وقد قدمنا رواية مسلم وغيره له عن ابن عباس.
الخامسة: دعوى أنه مضطرب. لأنه رواه ابن عجلان عن صالح بن كيسان عن عروة عن عائشة قالت: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ركعتين» الحديث. قالوا: فهذا اضطراب.
السادسة: أنه ليس على ظاهره. لأن المغرب، والصبح لم يزد فيهما، ولم ينقص.
السابعة: أنه من قول عائشة لا مرفوع.
الثامنة: قول إمام الحرمين: لو صح لنقل متواترًا.
قال مقيده- عفا الله عنه- وهذه الاعتراضات الموردة على حديث عائشة المذكور كلها ساقطة، أما معارضته بالإجماع فلا يخفى سقوطها. لأنه لا يصح فيه إجماع، وذكر ابن العربي نفسه الخلاف فيه.
وقال القرطبي بعد ذكره دعوى ابن العربي الإجماع المذكور قلت: وهذا لا يصح، وقد ذكر هو وغيره الخلاف والنزاع فلم يصح ما ادعوه من الإجماع.
وأما معارضته بمخالفة عائشة له فهي أيضًا ظاهرة السقوط. لأن العبرة بروايتها لا برأيها كما هو التحقيق عند الجمهور، وقد بيناه في سورة البقرة في الكلام على حديث طاوس المتقدم في الطلاق.
وأما معارضته بإجماع فقهاء الأمصار على أنه ليس بأصل يعتبر في صلاة المسافر خلف المقيم، فجوابه أن فقهاء الأمصار لم يجمعوا على ذلك، فقد ذهب جماعة من العلماء إلى أن المسافر لا يصح اقتداؤه بالمقيم لمخالفتهما في العدد، والنية، واحتجوا بحديث: «لا تختلفوا على إمامكم» وممن ذهب إلى ذلك الشعبي وطاوس وداود الظاهري وغيرهم.
وأما معارضته بمخالفة بعض الصحابة لها كابن عباس، فجوابه ما قدمناه آنفًا عن ابن كثير من أن صلاة الحضر لما زيد فيها واستقر ذلك صح أن يقال: إن فرض صلاة الحضر أربع كما قال ابن عباس.
وأما تضعيفه بالاضطراب فهو ظاهر السقوط. لأنه ليس فيه اضطراب أصلًا، ومعنى فرض الله وفرض رسول الله واحد. لأن الله، هو المشرع والرسول هو المبين، فإذا قيل فرض رسول الله كذا فالمراد أنه مبلغ ذلك عن الله فلا ينافي أن الله هو الذي فرض ذلك كما قال تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله} [النساء: 80] ونظيره حديث: «إن إبراهيم حرم مكة» مع حديث: «إن مكة حرمها الله» الحديث.
وأما رده بأن المغرب والصبح لم يزد فيهما فهو ظاهر السقوط أيضًا. لأن المراد بالحديث الصلوات التي تقصر خاصة كما هو ظاهر، مع أن بعض الروايات عن عائشة عند ابن خزيمة، وابن حبان، والبيهقي. قالت: «فرضت صلاة السفر والحضر ركعتين ركعتين، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، واطمأن، زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان، وتركت صلاة الفجر لطول القراءة وصلاة المغرب. لأنها وتر النهار» وعند أحمد من طريق ابن كيسان في حديث عائشة المذكور «إلا المغرب فإنها كانت ثلاثًا».
وهذه الروايات تبين أن المراد خصوص الصلوات التي تقصر، وأما رده بأنه غير مرفوع فهو ظاهر السقوط. لأنه مما لا مجال فيه للرأي فله حكم المرفوع، ولو سلمنا أن عائشة لم تحضر فرض الصلاة فإنها يمكن أن تكون سمعت ذلك من النَّبي صلى الله عليه وسلم في زمنها معه، ولو فرضنا أنها لم تسمعه منه فهو مرسل صحابي ومراسيل الصحابة لها حكم الوصل.
وأما قول إمام الحرمين إنه لو ثبت النقل متواترًا فهو ظاهر السقوط. لأن مثل هذا لا يرد بعدم التواتر، فإذا عرفت مما تقدم أن صلاة السفر فرضت ركعتين كما صح به الحديث عن عائشة وابن عباس وعمر- رضي الله عنهم- فاعلم أن ابن كثير بعد أن ساق الحديث عن عمر، وابن عباس، وعائشة قال ما نصه:
وإذا كان كذلك فيكون المراد بقوله: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة} [النساء: 101] قصر الكيفية كما في صلاة الخوف. ولهذا قال: {إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الذين كفروا} [النساء: 101] الآية.
ولهذا قال بعدها {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصلاة} [النساء: 102] الآية. فبين المقصود من القصر ها هنا، وذكر صفته وكيفيته اه. محل الغرض منه بلفظه وهو واضح جدًا فيما ذكرنا وهو اختيار بن جرير.
وعلى هذا القول فالآية في صلاة الخوف وقصر الصلاة في السفر عليه مأخوذ من السنة لا من القرآن، وفي معنى الآية الكريمة أقوال أخر. أحدها: أن معنى {أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الذين كفروا} الاقتصار على ركعة واحدة في صلاة الخوف كما قدمنا آنفًا من حديث ابن عباس عند مسلم، والنسائي، وأبي داود، وابن ماجه. وقدمنا أنه رواه ابن ماجه عن طاوس.
وقد روى نحوه أبو داود، والنسائي من حديث حذيفة قال: «فصلى بهؤلاء ركعة، وهؤلاء ركعة ولم يقضوا» ورواه النسائي أيضًا من حديث زيد بن ثابت عن النَّبي صلى الله عليه وسلم.
وممن قال بالاقتصار في الخوف على ركعة واحدة، الثوري وغسحاق ومن تبعهما. وروي عن أحمد بن حنبل وعطاء، وجابر، والحسن، ومجاهد، والحكم، وقتادة، وحماد، والضحاك.
وقال بعضهم: يصلى الصبح في الخوف ركعة، وإليه ذهب ابن حزم، ويحكى عن محمد بن نصر المروزي. وبالاقتصار على ركعة واحدة في الخوف، قال ابو هريرة، وابو موسى الأشعري وغير واحد من التابعين ومنهم من قيده بشدة الخوف.
وعلى هذا القول فالقصر في قوله تعالى: {أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة} [النساء: 101] قصر كمية.
وقال جماعة: إن المراد بالقصر في قوله: {أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة} هو قصر الصلاة في السفر. قالوا: ولا مفهوم مخالفة للشرط الذي هو قوله: {إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الذين كفروا} [النساء: 101]. لأنه خرج مخرج الغالب حال نزول هذه الآية، فإن في مبدأ الإسلام بعد الهجرة كان غالب أسفارهم مخوفة.
وقد تقرر في الأصول، أن من الموانع لاعتبار مفهوم المخالفة خروج المنطوق مخرج الغالب، ولذا لم يعتبر الجمهور مفهوم المخالفة في قوله: {اللاتي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 103] لجريانه على الغالب. قال في مراقي السعود: في ذكر موانع اعتبار مفهوم المخالفة:
أو جهل الحكم أو النطق انجلب ** للسؤل أو جرى على الذي غلب

واستدل من قال: إن المراد بالآية قصر الرباعية في السفر بما أخرجه مسلم في صحيحه، والإمام أحمد، وأصحاب السنن الأربعة، عن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الذين كفروا} [النساء: 101] فقد أمن الناس. قال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن ذلك، فقال: «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته».
فهذا الحديث الثابت في صحيح مسلم، وغيره يدل على أن يعلى بن أمية، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، كانا يعتقدان أن معنى الآية قصر الرباعية في السفر، وأن النَّبي صلى الله عليه وسلم، أقر عمر على فهمه لذلك، وهو دليل قوي، ولكنه معارض بما تقدم عن عمر من أنه قال: «صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم» ويؤيده حديث عائشة، وحديث ابن عباس المتقدمان.
وظاهر الآيات المتقدمة الدالة على أن المراد بقوله: {أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة} قصر الكيفية في صلاة الخوف، كما قدمنا، والله تعالى أعلم، وهيئات صلاة الخوف كثيرة، فإن العدو تارة يكون إلى جهة القبلة، وتارة إلى غيرها، والصلاة قد تكون رباعية، وقد تكون ثلاثية، وقد تكون ثنائية ثم تارة يصلون جماعة، وتارة يلتحم القتال، فلا يقدرون على الجماعة بل يصلون فرادى رجالًا، وركبانًا مستقبلي القبلة، وغير مستقبليها، وكل هيئات صلاة الخوف الواردة في الصحيح جائزة، وهيئاتها، وكيفياتها مفصلة في كتب الحديث والفروع، وسنذكر ما ذهب إليه الأئمة الأربعة منها إن شاء الله.
أما مالك بن أنس، فالصورة التي أخذ بها منها هي أن الطائفة الأولى تصلي مع الإمام ركعة في الثنائية، وركعتين في الرباعية والثلاثية، ثم تتم باقي الصلاة، وهو اثنتان في الرباعية، وواحدة في الثنائية والثلاثية، ثم يسلمون ويقفون وجاه العدو، وتأتي الطائفة الأخرى فيجدون الإمام قائمًا ينتظرهم، وهو مخير في قيامه بين القراءة، والدعاء، والسكوت إن كانت ثنائية، وبين الدعاء والسكوت إن كانت رباعية أو ثلاثية. وقيل ينتظرهم في الرباعية والثلاثية جالسًا فيصلي بهم باقي الصلاة، وهو ركعة في الثنائية، والثلاثية، وركعتان في الرباعية، ثم يسلم ويقضون ما فاتهم بعد سلامه، وهو ركعة في الثنائية، وركعتان في الرباعية والثلاثية. فتحصل أن هذه الصورة، أنه يصلي بالطائفة الأولى ركعة أو اثنتين، ثم يتمون لأنفسهم ويسلمون، ويقفون في وجه العدو، ثم تأتي الأخرى فيصلي بهم الباقي، ويسلم ويتمون لأنفسهم.
قال ابن يونس: في هذه الصورة التي ذكرنا، وحديث القاسم أشبه بالقرآن، وإلى الأخذ به رجع مالك اهـ.
قال مقيده- عفا الله عنه- مراد ابن يونس، أن الحديث الذي رواه مالك في الموطأ، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر، عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة، بالكيفية التي ذكرنا، هو الذي رجع إليه مالك، ورجحه أخيرًا على ما رواه، أعني مالكًا، عن يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات، عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف. الحديث، والفرق بين رواية القاسم بن محمد، وبين رواية يزيد بن رومان، أن رواية يزيد بن رومان فيها أن النَّبي صلى الله عليه وسلم صلى بالطائفة الأخرى الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسًا وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم، وقد عرفت أن رواية القاسم عند مالك في الموطأ، أنه يصلي بالطائفة الأخرى الركعة الباقية ثم يسلم فيتمون بعد سلامه لأنفسهم.